الاثنين، سبتمبر 19، 2011

المصرى اليوم | «أردوجان» الطيبُ الشرير

بقلم فاطمة ناعوت ١٩/ ٩/ ٢٠١١

كنتُ الاثنين الماضى على الهواء مع الإعلامى الصديق «نصر القفاص» فى برنامجه «الجورنال». وسألنى أن نبدأ بخبر مُبهج يُسعد الناس.
فقلتُ: للمرة الأولى تُجمِع فصائلُ مصرَ السياسية والفكرية على شىء. الفرحةُ بزيارة رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوجان، الذى له رصيدٌ ضخم فى قلوب المصريين. اجتمع المتنافرون لاستقبال الضيف المحبوب، وفى مقدمتهم الإخوان الذين قدّموا الورودَ ورفعوا لافتاتِ الترحاب، و«الرهان» المُسبق على ما سيقول.
أما رهانُهم فكان أن يكرّس الرجلُ التركىُّ مفهومَ الخلافة الإسلامية على الطريقة العثمانية، فى مصر وسائر دول «الربيع العربى» التى سيزورها بعد مصر. وأما سببُ الرهان، فربما بضعةُ أبيات من الشِّعر التركىّ كان أردوجان استشهد بها فى خطبة جماهيرية عام ١٩٩٨، فدخل السجن على إثرها بتهمة العنصرية والحضّ على الكراهية.
إذْ تقول: «قِبابُنا خوذاتُنا/ مآذنُنا حِرابُنا/ والمُصلّون جنودُنا/ هذا الجيشُ المقدّسُ/ يحرسُ دينَنا». انتظروه انتظارَ الفارس الذى سيأتى على صهوة حصانه ليجمع المصريين أمامه ويخطب فيهم: «يا شعبَ مصر، اسمعوا كلامَ المتأسلمين. انتخبوا نصفَ البرلمان من الإخوان، والنصفَ الآخر من السلفيين والجهاديين والجماعات، كى تغدو مصرُ مشرقةً وادعةً مثل إيران، ومتحّدةً مثل السودان، وآمنةً كأفغانستان، ومتحضّرة كما السعودية. يا شعب مصرَ العظيم، اِقبلوا عودةَ الخلافة إلى بلادكم. اسمعوا الكلام وسلِّموا أمرَكم، تسلموا».
لكنه لم يكن عند مستوى رهانهم. خذلهم! تكلّم عن العلمانية، «والعياذ بالله»!!
للأسف، قدّم أردوجان فى ربع ساعة المعنى الصحيح لمصطلح «العلمانية»، تلك التى اجتهد شيوخُ الإخوان والسلفيين، على مدى الشهور الماضية، فى تشويهها أمام العالم!
هدم أردوجان فى دقيقة ما ظلوا يبنونه «من رمال» خلال شهور. فتحول الصديقُ الطيبُ إلى مسخ قبيح وعدو ذميم كافر! وأصبح، فجأةً، يتدخل فى شؤون البلاد الداخلية! وليس من حقه أن يقدم اقتراحات لمصر وللمصريين، فالمصريون أعلمُ بشؤون دنياهم، وأهلُ مصرَ أدرى بشِعابِها.
هم قالوا إن العلمانية كفرٌ وإلحادٌ وانعدامُ دين. وهو قال إن «العلمانية هى وقوفُ الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان». هو مسلمٌ شديدُ التُّقى، وربما متعصبٌ أيضًا كما بيّنت أبياتُ الشعر السابقة. لكنه يفهم أن اللهَ هو العدلُ. لهذا اختارت دولتُه أن تكون عادلةً محايدةً أمام مواطنيها. العلمانيةُ نظامُ دولة، لا نظامُ أفراد.
كن متديّنًا، كن متعصبًا، كن متطرّفًا حتى، أنت حرّ، لكن الدولة العلمانية بقانونها العادل المحايد، هى التى ستضمن ألا يتحول تطرفُك هذا إلى إرهاب، فيأمن الآخرُ شرَّك، إن وُجد، مثلما ستأمنُ أنت شرّ الآخر. الدولة العلمانية لا تتدخل فى تدين الأفراد، بل تحمى الدينَ من الدنس باستخدامه كارت إرهاب و«مصالح» فى يد فئة تزعم أنها ظلُّ الله على الأرض، حاشاه، وأن الله كلّفهم بقمع الناس وترويعهم باسمه! تعالى الرحمنُ عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وييقى سؤالان: أصبح أردوجان، فى نظر الإخوان والتيار السلفى، متدخّلا سخيفًا فى شؤوننا حين قال إن صالحَ مصرَ لن يكون إلا بتطبيق النموذج العلمانى، طيب لو كان اقترح تشييد خلافة إسلامية، هل كان ساعتها «هايبقى راجل طيب، ومفيش منه»؟
والسؤال الأهم: مَن يرفضون أن تقفَ الدولةُ محايدةً أمام مواطنيها، هل يدعون للظلم وانعدام العدالة بين الناس؟ هل يريدُ اللهُ هذا؟ حاشاه! وحاشانا أن نصدق ما يزعمون عن الله بالكذب. اللهُ هو العدلُ، والعدلُ هو المساواةُ، والمساواةُ هى العلمانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق