الاثنين، أكتوبر 31، 2011

المصرى اليوم | رسالة إلى الشيخ عبد المقصود (٣)


بقلم فاطمة ناعوت ٣١/ ١٠/ ٢٠١١
تحيةً إلى الشيخ الجليل، وبعد. بدايةً، أدعو القراءَ لمتابعة حلقات «فضفضة» على قناة «الناس» يوم الاثنين، التى يتفضل فيها الشيخُ مشكورًا بالردّ على رسائلى، لتعميم الفائدة. على أن د. عبدالمقصود، فيما يبدو، يردُّ على رسائلَ لم أكتبها. إذ بدأ حلقته بقوله: «العلمانيون يسعون للشهوات».! ثم اعتبر المقولةَ حقيقةً مُتفقًا عليها، فاستطرد فى ذكر أحاديثَ تناهضُ الشهوات! فهل اختلفنا حول مفاسد الشهوات ليقنعنا بها؟ وهل اتفقنا على رأيه فى العلمانيين، فيما هو إلا مغالطة وفِرية أبعد ما تكون عن الواقع؟
مَن أخبرك يا مولانا أن العلمانىَّ شهوانىٌّ؟! أليس هذا رجمًا مُرسلاً وتعميمًا لا يليق بقامتك العلمية؟ لم أرَ علمانيّا شهوانيّا، بالعكس! العلمانىُّ يحترمُ نفسَه، لأنه يحترم قيمة الإنسان: فلا يظلمُ ولا يطمعُ ولا يتجبّر ولا يتعالى ولا يشتم ولا يُكفِّر الناس ولا يُغيِّر موقفه تبعًا للمصالح ولا يتزوجُ إلا امرأة واحدة، ولا يُفْرِط فى طعام، وجارُه جائع. والأهمُّ أنه لا يعتبر نفسه إلهًا يُثيبُ الناسَ ويعاقبهم، فيعطّل عملَ الله يومَ الحشر. إنسانيتُه الضعيفةُ تتواضعُ أمام ألوهية الله- تعالى- عكس ما يفعل المتطرفون منّا. أرجو أن تراجع مفهوم «العلمانية» الصحيح، بعيدًا عن تعريفات ساذجة أشاعها العاميون، فأضحَكوا علينا العالمين.
ثم تكلم الشيخُ عن فاشية الصليبيين فى العهود القديمة!! فهل نعاقبُ مسيحيى مصرَ فنُروِّعُهم ونهدم كنائسهم ونقتلهم يوم عيدهم، لأن الصليبيين أساءوا؟
أتزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى؟ هل هذا من العدل فى شىء؟ أسألُكَ- وأنا أعلم ما يحملُ قلبُك من نقاء-: أيرضيكَ أن يُفتَى بحرمة توصيل قسٍّ إلى كنيسته، ولو فعلها سائقٌ لارتكبَ إثمًا يفوق توصيلَ إنسان إلى خمّارة، إذْ ما يحدث فى الكنائس أعظمُ كفرًا؟! أيندرجُ هذا تحت باب التضييق عليهم فى الطرقات مثلا؟ أيرضيكَ أن يُفتَى بحرمة مواساة مسيحى فى موت أبيه، وتمنِّى الرحمة له، لأنه داخلٌ جهنم لا محالة؟! اِستفتِ قلبَك وأجبْ، رحمكَ اللهُ ورحمنا من غلاظة القلب.
لو كنا فى دولة تطبّقُ القانونَ، وتحترم الإنسان، لسيقَ المحرّضون إلى ظلمة السجون بتهمة العنصرية. هم صانعو الشِّقاق موقظو الفتنة التى تدفع ثمنَها مصرُ من دم بنيها وبناتها. ببساطةٍ يقول أحدُهم: «المسيحىُّ كافرٌ»، فيضغطُ غيرُه الزنادَ، فمَن القاتلُ الفعلىّ؟ وما الداعى لإعلام الناس بكفر غير المسلمين، ومصرُ تتأججُ طحنًا وتفتتًا؟! وماذا لو مددنا خيطَ الفتنة لنهايته، فحمل المسلمُ سيفًا، والمسيحىُّ سيفًا، هل تتحمل مصر حربًا أهلية؟
أليس من حقى أن أغار على عقيدتى، فأتمنى أن تمتلئ قلوبُ أبناء دينى بالمحبة التى نسوها مع الزمن؟ ذكرتُ غبطتى المسيحيين إذْ يدعون لنا فى صلواتهم: «نُصلّى من أجل إخواننا أصحاب الديانات الأخرى، ليحيوا عمقَ إيمانهم، حسبَ قصد الله. نُصلّى من أجل كل مَن يمارس العنف باسم الدين، ليكتشفَ غِنى وعظمة حب الله».
أغارُ، وأرجو أن نفعلَ مثلهم، أو على الأقل لا نشحنُ القلوبَ ضدّهم، فكان ردُّك، فى حلقة سابقة: أن أتنصَّر!! هل تختارُ لى دينى؟! حرىٌّ بك أن تدعو المتطرفين إلى التحابّ والود بدلَ تسفيه كلامى. فتسفيه ما لا يعجبنا من قول سهلٌ. الصعبُ هو المحاججة، والأصعبُ هو مجاهدةُ النفس وتنقيتها من البغضاء، كفانا الله وكفاك شرَّها. ألم ينهض رسولُنا الكريمُ واقفًا عند مرور جنازة، ولما أخبروه أنها ليهودى، قال: «أوليست نفسًا؟».
أما كتاب «فى الشعر الجاهلى»، فأرجو أن يراجع الشيخُ قضيته ليعرف أن طه حسين قوضىَ لقوله «إن كثيرًا من الشعر الجاهلى منحولٌ لم يُكتب إلا بعد ظهور الإسلام، لأسباب سياسية». ثم إنى لم أمتدحِ الكتابَ ولا صاحبَه، فالأستاذُ لا يُعوزُه مديحى. بل امتدحتُ عصرًا مستنيرًا سمح بمقارعة الحُجّة بالحجّة، لا بالسيف... وللحديث بقية.




المصرى اليوم | رسالة إلى الشيخ عبد المقصود (٣)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق